نظرة سريعة لمعرفة التلمود وما هو ؟
التلمود باختصار هو شريعة بني إسرائيل الشفهية
ومن المعروف لدى اليهود الحاليين ( أقصد بالدولة الحاخامية ) أنهم يقولون أن الله أنزل وحيين وهما المقرا والمشنا
المقرا أي الكتاب المقروء في الكتب ( التناخ أو أسفار العهد القديم )
المشنا أي الشريعة الشفوية التي لم تكتب ونهى يهوه عن كتابتها وتدوينها كما جاء في ( مدراش شموت رابا 47 / 11 )
إذ يقول ما ترجمته نصّا : " أمر القدوس تبارك موسى قائلا , دوّن أسفار التوراة والأنبياء والمكتوبات أما الروايات والتلمود فتكون شفاهة ".
وطبعا الأنبياء جاؤوا بعد موسى فكيف يأمر الرب موسى بذلك ؟
يقولون: الأمر لموسى ليس بقاصر على موسى بل يشمله ويشمل المؤمنين به .
كما هو الحال عندنا أي المسلمين في هذه المسألة.
التلمود عبارة عن جزئين : -
الجزء الأول: المشنا
هي متن التلمود وهي عبارة عن تشريعات موضوعة بصورة مختصرة جدا وقد جمعها الرابّي يهودا هناسي في مستهل القرن الثالث بعد الميلاد بعد عملية غربلة وإستبعاده لمجموعة كبيرة من التشريعات والنصوص لإعتبارات لا يعلمها أحد إلا هو (:
وأطلق إسم " برايتا " أو برّانية على هذه النصوص المستبعدة.
فيهودا الهناسي لم يؤلف بل رتّب وبوّب فقط التشريعات في صورتها المعروفة لدينا الآن
وهذه المشنا يقع في ست أقسام رئيسية , وكل قسم يحتوي على أبواب , وكل باب يحتوي على فصول , وكل فصل به العديد من التشريعات بصورة مختصرة جدا قد تصل للغموض.
وهذا هو الأساس الذي قامت عليه الديانة اليهودية
علماء المشنا يطلق عليهم " تنائيم " أي المشرّعون
الجزء الثاني: الجمارا
هي المناقشات التي تمّـت حول نصوص المشنا من حيث فهمها ومن هو المشرع الذي يظهر منهجه في التشريع وما هو التشريع التوراتي الذي أستند إليه هذا المشرع وما هي الحالات التي يطبق فيها هذا التشريع
بخلاف ذلك كانوا يناقشون نص التشريع نفسه وأسماء الفقهاء وإزالة التعارض والتناقض الموجود بين تشريع وتشريع آخر أو إستنباط أحكام جديدة وهكذا .
هذه الجمارا تحتوي على شيئين
1- التشريع ويسمى الهالاخا أي الجانب التشريعي أو الفقهي
2- المرويات والقصص وتسمى الأجادا أو الهاجادا أي الجانب القصصي
وهما متداخلان في الشرح وأحيانا تأتي المرويات لا علاقة لها أصلا بنص المشنا الذي يتم مناقشته وقتها
علماء الجمارا يسمّون " الأمورائيم " وتعني الرواة
فالتلمود هو عبارة باختصار عن كونه تسجيلا حيا لهذه النقاشات المفتوحة داخل بيت المدارس أي مدارس الفقه والشريعة
ونظرا لإختلاطهم وتأثرهم بالثقافات الأخرى وخاصة اليونانية والفكر الشرقي القديم إهتمت هذه النقاشات حول طرق البحث وما هي الأسباب والنتائج التي وصل لها علماء المشنا.
نرجع للكلام حول تدوين هذا الكتاب الضخم الموسوعي في الدين اليهودي
إلى الآن لم يستقر الأمر في تحديد زمن تدوين التلمود وهل دوّن فور ترتيبه أم لا !!!
وهل وقت طبعه لم تدخل فيه بعض النصوص أم إن الموجود حاليا هو ما إستقر عليه علماؤهم أم تم إقحام بعض النصوص والمرويات فيه !!!
نبحث بداية عن سبب كتابة أو تدوين التلمود مع العلم إنه شريعة شفهية وليست مكتوبة
اليهود حين شعروا بالخطر من إرتداد كثير من أحبارهم وتركهم لليهودية وإعتناقهم للإسلام وسرعة إنتشار الإسلام مع قوة حجته ومنطقيته في العرض والإستدلال أن تراثهم هذا سوف يضيع ويزول فلذلك لجأوا إلى تجميع ما توفر تحت أيديهم من تراث ديني في مراكز تجمعاتهم سواء العراق أو فلسطين ولذلك تجد كثير من التكرار الفظيع والتشابه العجيب للمرويات في كتبهم أو تفاسيرهم
فنجد أنهم إستفادوا مثلا من التراث الإسلامي في التدوين ب
- التفسير بالمأثور نقلوها للعبرية ل ( ماسورا ) وكان في بدايته مرتبط بعلامات ضبط القراءة للتناخ
ثم تطور وأصبح ( مسورت ) وهو كل ما يتم نقله عن علماء اليهود القدماء من مرويات لا دليل عليها تناخي
- هجادا يناظر في الإسلام روايا أو رواية
- أجادا يناظر في الإسلام الاجتهاد بالرأي لا المأثور مصدر أجاد أي أتقن
ولهذه الأسباب يستميت اليهود لإرجاع هذه الشروحات التي قامت على المشنا إلى الفترة ما بين القرن الثالث الميلادي إلى السادس الميلادي أي إستماتة لجعله قبل ظهور الإسلام وانتشاره
المشكلة أن أقدم مخطوطة للتلمود هي مخطوطة أكسفورد تضم عدّة أبواب وليس كله ترجع تاريخها لسنة 1123 م
والمخطوطة التي تليها مخطوطة المتحف البريطاني يرجع تاريخها للقرن الثاني عشر الميلادي
ولهذا نقول: إن التلمود لم يدّون في عصر علمائهم ولا رواتهم بل لم يدّون إلا بعد تدوين التراث الإسلامي أي في القرن الثاني الهجري الثامن الميلادي ولذلك لا نجد أي مخطوطة للتلمود قبل القرن الثامن الميلادي.
ولهذا نقول لمن يحتج علينا من اليهود أو النصارى أن الإسلام إقتبس منهم بل لا الإسلام الذي هو عبارة عن القرآن والسنة الصحيحة للنبي عليه السلام مستقلة إستقلال تام في التشريع ولم تقتبس من أحد بل الكل إقتبس منها .
ولا تلزمني بما هو مكتوب بعدها فلماذا لا نقول إن اليهود هم من إستفادوا من التراث الإسلامي بدليل قوله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }النمل76
ودليل يهودي أيضا للتقريب على ما قلته هو كتاب التأثيرات الإسلامية في العبادة اليهودية لكاتبه العالم اليهودي نفتالي فيدر
وإستفادة اليهود من قواعد الضبط والنحو في اللغة العربية لضبط العبرية وهكذا.
فديننا مستقل بذاته لا يفتقر لشيء والكل يفتقر له
كتبه أخوكم / محمد المعتز بالله الحاخام المسلم