الكتاب المقدس هو صاحب أكبر عدد من المخطوطات والترجمات. هذه الجملة الأشهر للدفاعيين عن عصمة الكتاب المقدس.
لكن الذي لم يقله لنا هؤلاء الدفاعيون هو أن كل مخطوطة من هذه المخطوطات أو كل ترجمة من هذه الترجمات لا يصح اعتبارها كتاباً مقدساً كاملاً معصوماً من الأخطاء؛ لأن كل مخطوطات تحتوي على كل أنواع الخطأ التي يمكن أن تتواجد في أي نص منسوخ باليد؛ من قبل ناسخ يزل أثناء النسخ عن غير عمد، أو قد يحرف النص عن عمد وقصد؛[1] باختصار كل مخطوطة من المخطوطات التي بين أيدينا تحتوي على كل أنواع الأخطاء؛ سواء المتعمدة وغير المتعمدة؛ ولا يمكن أن تجتمع صفتا الخطأ والعصمة في نفس الوقت في نفس المخطوطة؛ فالمخطوطة إما أن تكون معصومة من الأخطاء (وهو الأمر غير الموجود في كل مخطوطات الكتاب المقدس باعتراف الجميع) وإما أن تكون غير معصومة؛ وغير المعصوم لا يمكن أن يكون مقدساً، وغير المقدس لا يمكن أن يكون كلام الله؛ فلا يمكن اعتبار أي مخطوطة من مخطوطات الكتاب المقدس هي كلام الله.
لا يمكن اعتبار أي مخطوطة من مخطوطات الكتاب المقدس هي كلام الله، ونفس الأمر ينطبق على كل شواهد العهد القديم (النص الماسوري، الترجمة السبعينية، التوراة السامرية، البشيطا السريانية، الفولجاتا اللاتينية، قمران، وغيرها) لأن كل شاهد من هذه الشواهد يحتوي على كافة أنواع الأخطاء؛ فلا النص الماسوري معصوم من الأخطاء ولا السبعينية معصومة، ولا السامرية، ولا البشيطا ولا غيرها.
حسناً؛ ما هو الحال بالنسبة للترجمات الموجودة بين أيدينا حالياً؛ والتي يكتبون على غلافها الكتاب المقدس؟!
الترجمات العربية الموجودة بين أيدينا حالياً مترجمة كلها تقريباً عن النص الماسوري[2] غير المعصوم (إلا في بعض المواطن التي يحيد المترجم فيها عن النص الماسوري لسبب ما)؛ وبالتالي لا يمكن اعتبار أي ترجمة من هذه الترجمات كلام الله؛ ليس لأنها مجرد ترجمة فقط؛ ولكن لأنها مترجمة عن شاهد نصي واحد؛ وهذا الشاهد النصي الواحد يضم كل أنواع الأخطاء والتي تقابل أي حد عندما يقرأ في كتابات الدفاعيين أمثال منيس عبد النور حينما يقول: وما جاء في نص كذا هو خطأ من الناسخ.[3]
وبالتالي لا يصح أن يزعم أحد من اليهود أو النصارى أنه يملك نسخة من كلام الله المقدس الذي يؤمن به؛ لأنه بالفعل لا يملكها؛ ولا أحد -مع الأسف- يملكها !
[1] شنودة ماهر إسحاق: مخطوطات الكتاب المقدس بلغاتها الأصلية, الأنبا رويس بالعباسية - صـ20. يقول:
وقد أظهر باك Pack في دراسته عن طريقة أوريجانوس في مُقارنة النُّصُوص الكتابية أنَّ أوريجانوس يُرجع الفروق في القراءات إلى أسباب أربعة هي: 1- أخطاء أثناء عملية النَّقل بالنَّساخة نتيجة انخفاض درجة التَّركيز عند النَّاسِخ في بعض الأحيان. 2- النُّسَخ التي يتلفها الهراطقة عمداً ببثّ أفكارهم فيها أثناء النَّساخة. 3- التَّعديلات التي يُجريها بعض النُّسّاخ عن وعي وبشيء من الاندفاع بهدف تصحيح ما يرون أنَّه أخطاء وقعت من نُسّاخ سابقين أو اختلاف عن القراءة التي اعتادوا سماعها. 4- تعديلات بهدف توضيح المعنى المقصود في العبارة.
المهندس رياض يوسف داود: مدخلٌ إلى النَّقد الكِتابي, دار المشرق ببيروت - صـ 23. يقول:
كان الكِتاب يُنْسَخ نَسْخ اليَد في بداية العَصْر المسيحي, وكانوا يَنْسَخُون بأدوات كِتابيَّة بِدائيَّة, عن نُسَخ مَنْسُوخة, ولقد أدْخَل النُّسّاخ الكثِير من التَّبْدِيل والتَّعْدِيل على النُّصُوص وتَراكَمَ بَعْضُهُ على بَعْضِهِ الآخر, فكان النُّص الذي وَصَلَ آخر الأمر مُثْقَلاً بألوان التَّبْدِيل التي ظَهَرَت في عَدَدٍ كبيرٍ من القِراءات؛ فما إن يُصْدَر كتابٌ جديدٌ حتى تُنْشَر له نُسْخاتٌ مَشْحُونَةٌ بالأغلاط.
[2] رهبان دير أنبا مقار: العهد القديم كما عرفته كنيسة الإسكندرية, دار مجلة مرقس - صـ78. بادئ ذي بدء, ينبغي أن نعرف أن ما لدينا الآن من ترجمات عربية للعهد القديم, سواء الصّادرة حديثاً عن جمعية الكتاب المقدس أو التي طبعها الآباء اليسوعيون في لبنان, أو المشهورة باسم «ترجمة تفسيرية», هي جميعاً مُترجمة عن أصل عبري حسب النَّص اليهودي التَّقليدي المعروف باسم «النَّص الماسّوري»؛ لذلك نجد الألفاظ مُتقاربة والمعاني واحدة.
[3] انظر على سبيل المثال كتاب شبهات وهمية، الدكتور القس منيس عبد النور، ص 166، الطبعة الثالثة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق